سورة الحشر - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


قوله عز وجل: {والذين تبوءو الدار والإيمان} يعني الأنصار توطنوا الدار وهي المدينة واتخذوها سكناً {من قبلهم} يعني أنهم أسلموا في ديارهم وآثروا الإيمان وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين والمعنى والذين تبوءوا الدار من قبل المهاجرين وقد آمنوا لأن الإيمان ليس بمكان يتبوأ {يحبون من هاجر إليهم} وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم وأشركوهم في أموالهم {ولا يجدون في صدورهم حاجة} أي حزازة وغيظاً وحسداً {مما أوتوا} أي أعطي المهاجرين من الفيء دونهم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة فطابت أنفس الأنصار بذلك ك {ويؤثرون على أنفسهم} أي ويؤثر الأنصار المهاجرين بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم {ولو كان بهم خصاصة} أي فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء ثم أرسل به إلى أخرى فقالت مثل ذلك وقلن كلهن مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضيفه يرحمه الله فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة فقال أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا إلا قوت صبياني قال فعلليهم بشيء ونوميهم فإذا دخل ضيفنا فأريه أنا نأكل فإذا هوى بيده ليأكل فقومي إلى السراج كي تصلحيه فأطفئيه ففعلت فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد عجب الله أو ضحك الله من فلان وفلانة» زاد في رواية «فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}».
(ق) عن أبي هريرة قال: «قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال لا فقالوا تكفونا ونشرككم في الثمر قالوا سمعنا وأطعنا».
(خ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين فقالوا لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها فقال أما لا فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فإنه سيصيبكم أثرة بعدي» وفي رواية «ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» الأثرة بفتح الهمزة والثاء والراء وضبطه بعضهم بضم الهمزة وإسكان الثاء والأول أشهر ومعناه الاستئثار وهو أن يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم ولا يجعل لكم في الأمر نصيب وقيل هو من آثر إذا أعطى أراد يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم ولا يجعل لكم في الأمر نصيب وقيل هو من آثر إذا أعطى أراد يستأثر عليكم غيركم فيفضل في نصيبه من الفيء والاستئثار الانفراد بالشيء وقيل الأثرة الشدة والأول أظهر وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النضير للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم أموالكم ودياركم ولم نقسم لكم شيئا من الغنيمة فقالت الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها» فأنزل اللّه عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} والشح في كلام العرب البخل مع الحرص وقد فرق بعض العلماء بين البخل والشح فقال البخل نفس المنع والشح هو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع.
ولما كان الشح من صفات النفس لا جرم قال اللّه تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الفائزون بما أرادوا وروي أن رجلا قال لابن مسعود إني أخاف أن أكون قد هلكت قال وما ذاك قال إني أسمع اللّه يقول ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء فقال عبد اللّه ليس ذلك بالشح الذي ذكر اللّه في القرآن ولكن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل وقال ابن عمر ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمع عين الرجل فيما ليس له وقيل الشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على ارتكاب المحارم وقيل من لم يأخذ شيئا نهاه اللّه عن أخذه ولم يمنع شيئا أمره اللّه بإعطائه فقد وقاه شح نفسه.
(م) عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم» عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع» أخرجه أبو داود، الهلع: أشد الجزع والمراد منه أن الشحيح يجزع جزعا شديدا ويحزن على شيء يفوته أو يخرج من يده والخالع الذي خلع فؤاده لشدة خوفه وفزعه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا» أخرجه النسائي.


قوله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم} يعني من بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم إلى يوم القيامة {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} أخبر أنهم يدعون لأنفسهم بالمغفرة ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان {ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ} أي غشاً وحسداً وبغضاً {للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} فكل من كان في قلبه غل أو بغض لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية لأن الله تعالى رتب المؤمنين على ثلاث منازل المهاجرين ثم من بعدهم التابعون الموصوفون بما ذكر فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجاً من أقسام المؤمنين وليس له في المسلمين نصيب وقال ابن أبي ليلى الناس على ثلاثة منازل الفقراء المهاجرون والذين تبوءوا الدار والإيمان والذين جاؤوا من بعدهم فاجتهد أن لا تكون خارجاً من هذه الثلاث منازل.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
(م) عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة «يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم» عن عبد الله بن مغفل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه» أخرجه الترمذي وقال مالك بن أنس: من انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان في قلبه غل عليهم فليس له حق في فيء المسلمين ثم تلا هذه الآية: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى}- إلى- {والذين جاؤوا من بعدهم}- إلى- {رؤوف رحيم} وقال مالك بن مغول قال الشعبي يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة سئلت اليهود من خير أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ قال حواري عيسى وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم والسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا تقوم لهم راية ولا يثبت لهم قدم ولا تجمع لهم كلمة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وإدحاض حجتهم أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.
وروي عن جابر قال قيل لعائشة إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر.
وروي أن ابن عباس سمع رجلاً ينال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: من أمن المهاجرين الأولين أنت؟ قال لا قال أفمن الأنصار أنت؟ قال لا قال فأنا أشهد بأنك لست من التابعين لهم بإحسان.


{ألم تر إلى الذين نافقوا} يعني أظهروا خلاف ما أضمروا وهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول وأصحابه {يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني اليهود من بني قريظة وبني النضير وإنما جعل المنافقين إخوانهم لأنهم كفار مثلهم {لئن أخرجتم} أي من المدينة {لنخرجن معكم} أي منها {ولا نطيع فيكم أحداً أبداً} يعني إن سألنا أحد خلافكم وخذلانكم فلا نطيعه فيكم {وإن قوتلتم لننصرنكم} أي لنعيننكم ولنقاتلن معكم {والله يشهد إنهم} يعني المنافقين {لكاذبون} أي فيما قالوا ووعدوا ثم أخبر الله عن حال المنافقين فقال تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} وكان الأمر كذلك فإنهم أخرجوا ولم يخرج المنافقون معهم وقوتلوا فلم ينصروهم {ولئن نصروهم ليولن الأدبار} يعني لو قدروا نصرهم أو لو قصدوا نصر اليهود لولوا الأدبار منهزمين {ثم لا ينصرون} يعني بني النضير لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصروهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5